
قال الله تعالى : ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153] .
هذه الآية هي ختام آيات الوصايا العشر في سورة الأنعام، وهنّ ثلاث آيات، خُتمت الأولى التي فيها النهي عن الفواحش والقتل بـ ﴿لعلكم تعقلون﴾ وخُتمت الثانية التي فيها الأمر بالحقوق والعدل مع الناس بـ﴿ لعلكم تذكرون﴾ وختمت الثالثة وهي الأمر باتباع السنةبـ﴿لعلكم تتقون﴾
قال ابن عطية في تفسيره: " وهذه الآية تعمّ أهل الأهواء والبدع والشذوذ في الفروع وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام، هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد وتقدم القول في ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ، وفي قوله لَعَلَّكُمْ ومن حيث كانت المحرمات الأول لا يقع فيها عاقل قد نظر بعقله جاءت العبارة لعلكم تعقلون، والمحرمات الأخر شهوات وقد يقع فيها من العقلاء من لم يتذكر، وركوب الجادة الكاملة يتضمن فعل الفضائل، وتلك درجة التقوى".
أقول : وفيه إلماحة مهمة تخفى علينا كثيرا وهي أنّ الأهواء لا تكون في قلب متّقٍ أبداً، عكس ما يتصور، ولهذا نص علماء السلف على تبديع وتفسيق المبتدع وتأثيمه مع أنّ ظاهر حاله الاجتهاد والتنسك غالبا،
قال الشاطبي رحمه الله : «فالمبتدع مذمومٌ آثمٌ، وذلك على الاطلاق والعموم، ويدلّ على ذلك أربعة أوجه وذكر وجوها أربعة أختصر منها ثلاثة :
أحدها: أنّ الأدلّة المذكورة إن جاءت فيهم نصّاً فظاهر، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 159] وقوله: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾ [آل عمران: 105] إلى آخر الآية،وإن كانت نصاً في البدعة فراجعة المعنى إلى المبتدع من غير إشكالٍ، وإذا رجع الجميع إلى ذمّهم، رجع الجميع إلى تأثيمهم.
والثّاني: أنّ الشّرع قد دلّ على أنّ الهوى هو المتّبع الأوّل في البدع، وهو المقصود السّابق في حقّهم، ودليل الشّرع كالتّبع في حقّهم، ولذلك تجدهم يتأوّلون كلّ دليلٍ خالف هواهم، ويتّبعون كلّ شبهةٍ وافقت أغراضهم. والأدلّة على هذا كثيرةٌ تشير أو تصرّح بأنّ كلّ مبتدعٍ إنّما يتّبع هواه، وإذا اتّبع هواه كان مذموماً وآثماً.
والثّالث: أنّ عامّة المبتدعة قائلةٌ بالتّحسين والتّقبيح، فهو عمدتهم الأولى وقاعدتهم التي يبنون عليها الشّرع، فهو المقدّم في نحلهم، بحيث لا يتّهمون العقل، وقد يتّهمون الأدلّة إذا لم توافقهم في الظّاهر، حتّى يردّوا كثيراً من الأدلّة الشّرعية » [من الاعتصام (ص117 -120)، باختصار].
وأقول بعد هذا :
على عكس ما يُظن في رموز الإخوان المسلمين وأربّاؤهم الذين في حجورهم -أعني المنسوبين إلى السرورية - من التقوى والنسك والإنصاف والموضوعيّة، فإنّ سنوات طويلة عاشرت بعض "فضلائهم" وتعاملت معهم صداقة أو خصومة، فوجدتهم من أبعد النّاس – إلا من رحم الله وقليل ماهم- عن التقوى ومراقبة الله فعلاً، خاصة في جانب حقوق العباد، فكثير منهم كأسلافهم من كلاب النّار تراه ربما بكّاءً في المحاضرات وربما تجده صاحب صوم نهار وقيام ليل، أما إذا جاء الأمر إلى مخالفيهم من أقرب الناس إليهم عقيدة وديانة تجدهم لا يرقبون فيهم إلاًّ ولا ذمّة . يستحلون دماءهم وأعراضهم والوَرِع منهم من يكف عن الدماء أما الإضرار بايّ سبيل يمكنه سلوكها فحدّث ولا حرج .
والسّبب في هذا هو الأهواء، فإنّ العبد إذا استوطن الهوى قلبَه فلا تسل عن تأويلاته وزيغه ليستحل ما حرم الله من الأموال والأعراض والدماء .
وما خرجت داعش والقاعدة وأمثالها من رحم الوهابية أبدا، وإنّما كان رضاعهما من تأصيلات الإخوان والسرورية المغرقة في التلوّن واستبطان التكفير وإظهار المرونة وقبول الآخر، حقا يفعلون ذلك ويصبرون على مخالفيهم مهما كانوا إلاّ السلفيين فلا يستطيعون إلا أن يظهروا دواخل بواطن استوطنها فساد المقاصد قبل فساد الفهم والتصوّرات .
ولعل هذا الموضوع بالذات من المواضيع القليلة الّتي أستطيع أن أتكلم منطلقا من شواهد عاصرتها وعشتها بنفسي سمعا وبصرا ومعاناة أحيانا.
ورغم أني أعلم أن هذه المرحلة مرحلة ضعف هذه (الحيّة الرقطاء)التي باضت وفرّخت في ديارنا طيلة عقود مضت، إلاّ أني أكتب مثل هذا المقال لأني أتعجّب كيف يمكن أن يكون عاقلٌ فضلا عن عالم أو طالب علم مازال يحسن الظن بأفراد هذه الجماعة أو المتعاطفين معها أو العاملين في إطارها؟ ثم عدت إلى رشدي وتذكرت الهوى وما يفعله في صاحبه من إفساده لتصوراته ومقاصده وذائقته وفهمه، فلا عجب والله .
لكن جيلا صاعدا الآن يجهل حوادث العقود الماضية ولم يعاصر إلا أفرادا من هذه الجماعات أو المرضى الذين أصابهم داء "الإخوان" و"السرورية" ممن أبهروا آلاف الشباب بمعسول كلامهم وحديثهم الدائم عن الأصول الكبرى والتغيير والنهضة ومواجهة الكفر والإلحاد ونحو ذلك من الشعارات البراقة، ولايعلمون كم يكون تملص هؤلاء من الدين والسنة والتقوى إذا لعب الهوى بقلوبهم فصدّهم عن السبيل .
ولهؤلاء أكتب والله مثل هذا المقال تحذيرا وبيانا لبعض أساليب هذه الجماعة وما تفرع منها . وليس الأمر استقصاء وتتبعا وإنما هو شيئ خطر بسبب مقطع رأيته لأحد النابهين المتريسين في السنوات الأخيرة سمعته يلوك نفس الكلام ويعزف نفس المقطوعة التي تمزقت أوتار آلات الإخونج من عقود وهم يعزفونها ويرفعون بها عقيرتهم إذا هوجموا وبين لهم أهل العلم السلفيين مآخذهم عليهم .
سأذكّر هذا الشاب الذي "ضيّع نفسه" وتزبّب قبل أن يتحصرم – كما قيل- فأحرق نفسه ويهم بإحراق كثيرين معه بتناقضات الإخوان والسرورية لا في تطبيق الشريعة فهم أبعد الناس عنها – خلاف ما يظهرون- وإنّما في تطبيق أصولهم التي ابتكروها وابتدعوها خدمة لمشاريعهم فقط.
واضرب لك المثال الآن بثلاثة من أسوأ المنتجات الصحوية، وهي قوانين حركيّة تم توظيفها بقوة في الدفاع عن أخطاء الرموز وتبييض سجلاتهم من الأخطاء أو مسح أو منع آثارها على الأتباع السذّج، أو تسويغ التعامل والتعاون بل والانسلاخ مع الفرق المبتدعة مهما كانت شدّة بدعتها.
الأوّل قانون:(سُدو المكان الذي سدّوا)، الذي كان يصدح به خطيبهم "المهرّج" في كل محفل، فكل ما قيل فلان أخطأ فلان مبتدع فلان أشعري معتزلي شيعي عقلاني أو حزبي إخواني أو تبليغي- وكل هذا لا تعييرا بل نصيحة لله ولدينه- ينبري خطباؤهم بالمقولة:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدّوا
والمعنى إمّا أن تقوم بما يقوم به أو أن تسكت عن نقده، وهذه قاعدة بدعية ما قال بها كتاب ولا سنة ولا مضى بها أثر، كل الصحابة أنكروا على بعضهم، الصغير على الكبير، وقليل العلم على غزيره، والقاعد على المجاهد، لم نسمع أحداً يقول لأحد: إما أن تقوم بعملي أو تسكت عني، إذن أين النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم؟
وبطبيعة الحال المقصود بذلك إسكات أصوات السلفيين الذين ينكرون على الحزبيين أخطاءهم في العقيدة أو العمل أو غير ذلك، ويصورون لأتباعهم السذّج أنّ هؤلاء المنكرين عليهم هم أهل البطالة الذين يجيدون النقد فقط، هذا إذا سلموا من الحسد للعلماء العاملين – ويعنون به أنفسهم-، فتجد الأتباع دائما يسوّغون ويسكتون ويمررون أخطاء الصحويين بذريعة: كل من يعمل يخطئ، قلنا: نعم، لا ضير من الخطأ، لكن العامل لله لا يأنف من التصحيح والإنكار عليه إذا كان عمله لله، فالنقد يصححه ويوجّهه ولو كان بأسلوب غير مقبول، فينكر الأسلوب إذا كان مخالفاً لكن الأصل فيه قبول النصح والتواضع للحق ولو صدر ممن صدر.
وهم لا ينزعجون إلاّ من دوام إنكار السلفيين عليهم، فهذا يزعجهم ويثير الغبار حولهم، وينبه المجتمع لما خفي من تجاوزاتهم، ولهذا يؤصلون أصولاً خاصة بهم وأنّ النصيحة وصلت فلماذا الإنكار المستمر؟ قلنا: ولماذا الإصرار على الخطأ ؟
ورغم كل ما مضى، فإنّنا قد نقبل الدفع بمثل هذا القانون المبتكر لو أنّهم طبقوه على مخالفيهم، وطردوا العمل به على كل أحد، لكنّا وجدنا خلاف ذلك.
فهم دائبون الليلَ والنهار في نقد الحكومات والأنظمة والساسة وغيرهم، وانتقاصهم وتشويه سمعتهم واتهامهم في دينهم أو كفاءتهم.
لماذا لم يعمل هذا القانون في موقفهم من ولاة الأمور؟ لماذا لم يقل قائلهم:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سدّوا المكان الذي سدّوا
هذا دليل اتباع الأهواء والانتقائية في تطبيق القيم التي يرفعون بها عقيرتهم، وسبب آخر: أنّ الأنظمة والحكام عندهم في صف العدو سواء تكفيراً لهم أو اتهامهم بالعمالة والعمل ضدّ الدعوة، فهذا القانون لا يستحقونه في رأيهم.
والمثال الآخر: قانون الموازنات الشهير الّذي أصّله كبراؤهم كأنه علم أصول الفقه، بل قال "مهرج الصّحوة" يوماً :إنّ فلانا – أحد رموزهم-واضع علم الموازنات كما وضع الشافعي علم أصول الفقه ! يا للخيبة !
ويعنون به أنّ الحكم على الشخص يكون بمجمل حاله، إن غلب الخير فهو من أهل الخير وإن غلب الشر فهو من أهل الشر.
واستشهدوا له بنصوص من القرآن والسنة وآثار السلف .
ومع انّ هذا الكلام الذي ظاهره الحسن يحتاج إلى تقييدات ومحاذير، من أهمّها أنّ معرفة الغالب والأقل في هذا الجانب الشرعي يحتاج إلى ضبط، فالأمر ليس بالعدد ولا بالوزن، فلو أنّ رجلاً ملأ ما بين السماء والأرض صلاحاً وعملاً متعدياً بل وكان في مقدمة الصفوف جهاداً وصلاة وغير ذلك، ثم هو مع ذلك يدعو أو يجيز دعاء غير الله ما نفعه كل ذلك، لأنّ سيئة الشرك الأكبر لا يثقل معها عمل ولو كثر.
وغالب من ينشر هذا القانون المعيب ويرفع به صوته ويديه يفهمه فهما مغلوطاً، بمعنى أنّ الرجل إن كان كثير العمل الصالح وظهر منه خطأ فالأغلب هو الصلاح إذن هو منهم، والأمر خطأ كما مثلت آنفا .
وعلى العموم فليس هذا هو موضع كلامي الآن في هذا القانون البدعي، وإنّما في توظيفه، لأنّ هذا القانون وظفه الصحويّون وبقوة لردّ التهمة عن رموزهم المغموصين بالبدع الفكرية والاعتقادية والعملية، وكثير منهم أهلٌ للهجر وترك اتباعهم، وعدم تصديرهم، فإذا اشتد نكير أهل العلم عليهم قالوا :أين العدل والإنصاف؟ ثم جاؤوك بأقوال السلف ونصوص القرآن .
فيلفتون أبصار الأتباع إلى جهة غير التي يتكلم فيها العلماء السلفيون في التحذير من باطل أهل الباطل.
لأنّ تقييم الشخصية حسنات وسيئات شيء، والقيام بإنكار المنكر على صاحبه شيء آخر، وقد كان الصحابة ينكر بعضهم على بعض لا يتوقفون ولا يترددون ولم يكن أحد منهم يغضب لنفسه أو يقال له: إنّك لم تكل سيئته إلى حسناته ولم تعمل بمبدأ الموازنة ؟
إنكار مقالات أهل البدع وخاصة الدعاة إليها لا علاقة له بما فيهم من الخير أو الشر، فحتى لو كانوا من سكان عليين في علم الله فإنّ الرد عليهم وذكرهم بما فيهم من البدعة ليحذره الناس واجب على من علم ذلك من العلماء .
أمّا الإخوان والسروريّة فجعلوا من القانون المعيب غطاء يسوّقون به لمقالات الرموز الدعاة منهم للمنهج المبتدع، فيظهرونهم بما فيهم من جوانب إيجابية، فإذا قيل: إنّهم كذا أو كذا، قالوا – إذا أعيتهم الحيلة – :وإن كانوا كذا فخيرهم غالب ولهم سابق دعوة وجهاد، حتى يطمسوا على أعين الأتباع فلا يبصرون حقيقة الطريق التي يسوقونهم فيها .
ثم نأتي لدليل الهوى هنا بغض النظر عن صواب القانون من عدمه، إذ نجد هؤلاء العاملين به لا يرفعون به رأساً في حق مخالفيهم، سواء من ولاة الأمور والحكام والأنظمة أو من مخالفيهم من السلفيين، إذ إنك لن تجد لهم كلاماً في خير الحكام والأنظمة وذكر ما يصلح الله بهم من أحوال البلاد والعباد ويحفظ بهم الأمن ويقيم بهم الملة في جنب ما يصدر منهم من جَور أو تقصير إن كان ثمَّ، لا بل تجد الطعن والذم بالمطلق وهذا قد نفهمه من زاوية أنهم في الأصل يعدونهم كفرة أو معادون للدين.
لكنا وجدناهم كذلك مع مخالفيهم من السلفيين وغيرهم، وهم حتى لو افترضناهم مبتدعة في جانب الجرح والتعديل، لن يكونوا أسوأ من الرافضة أو الأشاعرة والعقلانيين والصوفية الذين يمدحونهم دائماً بما فيهم من الخير الغالب – زعموا – من باب الإنصاف والعمل بمبدأ الموازنة، فأين هو من هؤلاء السلفيين المساكين ؟
أين الموازنة لمافيهم من التمسك بالسنة والاهتداء بها والدعوة إليها؟ أليس هذا مما يجب ذكره من الخير ؟ أم أنّهم ليسوا في تصوركم إلاّ أعداء موالين للأنظمة الكافرة أو الجائرة، فحتى اليهود والنصارى بل وإبليس نفسه حظي منهم بنظرة تقييم شامل للحسنات والسيئات أما السلفيون الذين ينبزونهم بالجامية فهم في اعتقادهم شرٌّ خالص .
وما سبق كان المتصدر به السرورية خاصة هنا في السعودية والخليج .
أما ثالثة الأثافي كما يقال فهو قانون التعاون الشهير، (نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه) .. فتحت هذا الشعار لم يبق ملّة كافرة أو بدعة فاجرة إلاّ اتخذت من الإخوان مركبا تعبر به إلى بلاد المسلمين وعقول المسلمين الشباب منهم خاصّة . فداهنوا أخبث ملتين منتسبة للإسلام الرفض والتصوّف، الجماعة في أصل نشأتها صوفية، ويتعاملون مع عبّاد آل البيت قاذفي عرض النبي صلى الله عليه وسلّم، بل جعلوا مجوس إيران من الخميني ومن بعده مجددين وقائدي جهاد وقدوات ومُثل، وسمَّوا طغاتهم الذين قتلوا أهل الإسلام في سوريا والعراق واليمن وغيرها سموهم الشهداء !
أمّا من دون هؤلاء من الأشاعرة والماتريدية ونحوهم فهؤلاء من أهل السنة عندهم أصلاً .
وتعاونوا مع الشيطان الأكبر (أمريكا) في ثورات الخريف العربي، وتناسوا كل ما يذكرونه عنها من أنها راعية الصليب وقائدة حملات التغريب والكفر على بلاد المسلمين .
وشعارهم في كل هذا هو التعاون في المتفق عليه أو الاستفادة بالتحالفات لتحقيق مكاسب دعوية – زعموا- كما تحالفوا مع أمريكا (أوباما) لتحقيق الخلافة في مصر والعالم العربي !
حسنا لنفرض أنّ هذا الدجل كله قابل للنقاش والخلاف، ولنتنزّل معهم إلى صحة هذه القاعدة، إذن لماذا تنكرون ما يفعله علماء المسلمين والسلفيين منهم خاصة إذا تعاونوا مع ولاة الأمر في المتفق عليه بينهم ؟ نشر العلم وبناء المساجد والمراكز وإرسال الأئمة والدعاة ووو الخ، كل هذا كان ببركة أهل العلم السلفيين ومن نحا منهجهم في هذا الباب، لكن الإخوان ورموزهم جعلوا من هذا سبّة ونقيصة انتقصوا بها أئمّة العلم والهدى وخلعوا عليهم ألقابا من مثل (علماء السلاطين) (علماء القصور) ونحو ذلك . فلماذا ؟ أما الأشخاص فولاة الأمور وحكام الدول وأمراؤها المسلمين لو افترضنا أنهم كفار كما يقولون فليسوا أكفر من صهاينة أمريكا ولا مجوس إيران ؟ والأعمال التي تعاونوا فيها معهم أجل وأعظم الأعمال فكلها تدور حول أركان الإسلام ونشر العلم والدعوة وبناء المراكز والتوسط أحيانا لحل مشاكل المسلمين في بلاد أخرى وغير ذلك، فلماذا ينكرون عليهم ما يبيحون لأنفسهم أسوأ منه بل لا مقارنة .
ولتعرف الفرق بين المنهجين فانظر كيف أثمرت علاقة العلماء بالحكام والولاة من طباعة الكتب وإنشاء الجامعات والمعاهد والمدارس والمراكز الإسلامية في كل البلاد وبعثات الأئمة والدعاة ودعم أنشطة حفظ القرآن وتعليم العلم الشرعي من خلال الدروس والدورات وغير ذلك مما يعرفه الجميع.
بينما لم تعد تحالفات الإخوان على البلاد الإسلامية إلاّ بالفوضى والدمار ونشر البدع وشيوع الإلحاد الذي يزعم أفراخهم اليوم أنّهم يحاربونه بمراكزهم وبرامجهم المشبوهة تأسيسا ومقصداً .
التعاون في المتفق هو آلة أسسها الإخوان لتسويغ تنازلهم عن أي مبدأ أو قيمة لأجل تحقيق مآربهم السياسية التي يغطونها بالدعوة والجهاد .
انظر إلى علمائنا منذ تأسيس هذه الدولة هل غيروا يوما فتوى أو تنازلوا عن قيمة أو موقف من البدع أو المنكرات ؟ لن تجد من هذا شيئاً، فهم الذين حققوا معنى التعاون على البر والتقوى كما شرعه الإسلام، لا كما طبقه الإخوان لتضييع الشرائع والتضحية بالأصول، والميوعة في الدين، يرون في منتدياتهم ومجالسهم الكفر الصراح والبدع المغلطة لا يهتز لهم طرف وغاية ما نبس به واحد من دعاتهم أنه قال للرافضي «لا تسب الصحابة أمامي» فقط هذا هو مبلغ ما بلغ به الغيرة على الدين، أما حقيقة كونه يداهن ويتحالف مع من ملته ودينه قائم على الكيد للإسلام وبلاد المسلمين وقتل أهل السنة ومعاداة خيرة خلق الله من الصحابة وأمهات المؤمنين فهذا كله لا شيء في دين الإخوان والسرورية وأفراخهم .
لقد كنا ردحا من الزمن في بدء أعمارنا نصدق المقولة التي روجوها بأنّ إخوان الخليج أو السرورية يختلفون عن الإخوان لأنهم على عقيدة صافية ووو الخ . لكن مع الأيّام تبيّن لنا كذب هذه المقولة، بل رأيت أنا بنفسي كيف تتهاوى كل الانتماءات العقدية أمام الولاء للإخوان والجماعات والمشاريع الحزبية، كلهم سواء، يختلفون في طريقة الكلام ومضمون الطعم الذي يمدّه الواحد منهم لمن يربيهم على الولاء للجماعة، فهذا يدرس العقيدة، وهذا يدرس الفقه، وهذا يثني على العلماء ويتقرب منهم، لكن الفتن أبانت لنا أنّهم في أيامها يد واحدة على من سواهم، وأن الولاء لمشاريعهم وجماعاتهم مقدم على كل شيء، ومستعدون في سبيل ذلك كله للتضحية بالدين والدماء والأوطان والأعراض.
فلا أصول يرجعون إليها ولا شريعة ، وإنما دينهم وعقيدتهم وولاؤهم للجماعة ولبعضهم البعض ، وغير ذلك إمّا كذب صريح أو جهل ممن قاله وعدم معرفة.
وأخيرا :
فمثل هذا الكلام لا يعني بالضرورة الطعن في دين فرد من الناس بعينه فقط بسبب انتمائه أو دفاعه أو حسن ظنّه بالإخوان والسرورية وأذرعهم، فهذا أمر يرجع إلى كل فرد بحسبه، وإنما أردت التنبيه فقط إلى أنّ هذه الجماعات وأفرادها الذين عرفناهم وكثير منهم في أعلى درجات الأكاديمية العلمية على عكس ما يُظن فيهم من التقوى والخشية من الله في أدق الأمور حتى يقيم أحدهم الدنيا ولا يقعدها لمنكر ظاهر يرتكبه أفراد من المجتمع، بينما تجده أصم أبكم أعمى لمنكر مثله بل أشدّ تفعله الجماعة أو تداهن به أنظمة تدعمهم وبلدانا تؤويهم وتستعملهم .
مع ملاحظة أني في كل هذا لم أذكر حكايا ورزايا حدثت معي وأمامي ومن أشخاص أعرفهم منهم أو ممن ظلموه ممن انتقدهم أو رفض أن يكون عبدا للجماعة والفكر برمّته، ولو ذكرنا ما في الجراب لخشيت أن يُساء الظن بالله وبدينه وشريعته بسبب هؤلاء، ولكنها نفثة مصدور وكلمات تكفي اللبيب، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا به.
Powered by Froala Editor