الموقع الرسمي للدكتور أحمد بن صالح الزهرانى

أسواق غزة


 

ملحوظة ( نشر هذا المقال أول أحداث غزة 2023)

نعيش هذه الأيام قيام واحدة من أقذر البورصات وأسواق التجارة في التاريخ الحديث .. تجار كثر يتربحون في هذه السوق ، بعضهم يجني الأموال، وبعضهم يجني الشهرة، وبعضهم يجني الأتباع وبعضهم يجني الموقع السياسي.. والجمهور منهم يستفيد منها في استعادة الثقة بنفسه وبناء وَهْم المشاركة في الجهاد والمقاومة يسكت بذلك ضميره الذي لا توقظه إلاّ صرخات المذبوحين من المسلمين هنا وهناك .

المبكي هنا أنّ السلعة الوحيدة التي يتم المضاربة بها في هذه السوق والمقامرة بها هي دماء العزّل المسلمين وغير المسلمين نساء وشيوخا وأطفالاً في غزة ، والأسوء في المشهد كله أن الوحيد الذي لا يستفيد من هذه السلعة ولا يجني منها شيئا هم النازفوها ، وهم الخاسر الأكبر في هذه السوق .

مفارقات كثيرة في هذه الأحداث ، سابدأ بأهمّها لأنّ آلة الإعلام الإخونجي القذرة ومسوقيها من المنتسبين للعلم زوراً يدندنون حولها يخدعون بها السذّج والغوغاء ويغطون بها كارثية ما ارتكبوه في حق أهل غزّة .

مسألة الولاء والبراء ، وأن الحرب بين أهل الإسلام وأهل الكفر، والمؤمن يوالي المسلم ويتمنى نصره ويعادي الكفار ويتمنى هزيمتهم، وبطبيعة الحال تتصدر حماس والجهاد ومن معها من الفصائل المسلحة المشهد كممثل للمسلمين في المعركة، ضد اليهود، وبالتالي فأيّ متكلم ضدها هو في حقيقته صهيوني أو كافر أو حكومي أو جامي .. الخ هذه التهم المعلبة التي اعتدنا عليها في مناسبات عديدة .

ومن المهم هنا أن نوضح أن الولاء للإسلام وأهله والبراءة والعداوة للكفر وأهله عقيدة راسخة في ضمير كل مسلم  هذا لا نقاش فيه ، لكن التطبيقات الشرعية ليست كما يفهمها البعض، فالعقيدة لا تتعارض مع التشريع، فلو فرض أن جماعة من أتقى الأتقياء الأصفياء الأولياء صالت واعتدت على مسلم ظُلماً فقام في وجهها أفجر وأكفر أهل الأرض يدفعون عن هذا المسلم سواء نصرة للمظلوم أو بمقابل مكسب مادي ، فهل يجوز للمسلم أن يناصر المؤمن الظالم ويتمنى نصره على الكافر ؟ هل هذا من لوازم الولاء للمسلم ؟

فهذه المواجهة المسلحة بين حماس ومن معها من جهة وبين اليهود  ليست مواجهة بين مسلمين وكفار – وإن كان هذا وصف كل منهما فعلا – فالقوم ليسوا في جهاد مشروع، ومهما حاول الأبواق تحسين وتجميل أو تغطية عورة حماس ورفيقاتها فإن واقع هذه النبتة السوداء أبعد ما يكون عن الجهاد في سبيل الله  .

 

الجهاد في سبيل الله هدفه : 

  • إما رفع راية الإسلام، أي: لتكون كلمة الله هي العليا، كما قال صلى الله عليه وسلّم  : «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» .
  • أو دفعاً للصائل على الأنفس وحمية لأهل الإسلام ودفاعا عن دمائهم .
  • أو دفعا للصائل على الأرض والمال أو المقدسات كما يقال .

ولننظر الآن هل واقع حماس ومن معها يمثل واحدا من هذه القيم والمقاصد ؟

 

أما القتال لتكون كلمة الله هي العليا فهم أبعد ما يكون عنه:

أولاً: كونهم جزءا من جماعة الإخوان التي يعرف الجميع تاريخها الأسود في هتك الشرائع واستباحة المحرمات في سبيل مقاصد وأهداف الجماعة ، هذه الجماعة لا ترفع بالعقيدة ولا بالشريعة رأسا إلا حين تكون محققة مصالحها، فهي مجرد شعارات تستميل بها المسلمين المتحمسين للإسلام فقط لا غير، وإلا فهي ورموزها من أعدى الناس للسنة والشريعة وتحارب أحكام الشريعة الحقيقية الثابتة بالكتاب والسنة وتتهكم بها في كل محفل ولكن تحت شعارات خادعة كالدعوة للوسطية أو الاستنارة أو المناورات السياسية، ونحوها .

وأكبر دليل على هذا موالاتها للشيطان الأكبر أعني دولة المجوس التي تدعو في الظاهر والباطن إلى الشرك الأكبر وتكفر بالله ودين الله علانية، ومرشدها ورموزها وقادتها يصرحون بالعداء للسنة وشريعة أهل السنة -أي الإسلام في حقيقته- ، فكيف يستقيم من هؤلاء النابتة دعوى الجهاد لإعلاء كلمة الله مع موالاتهم لمن يقاتل لتكون كلمة الشيطان هي العليا ؟!

أما الهدف الثاني وهو دفع الصائل عن دماء وحرمات المسلمين، فهذه أوضح من الأولى، فقادة حماس وأخواتها يعيشون في حضن دولة المجوس ويتحالفون مع ميليشيات الحشد الشعبي الرافضي العراقي وحزب الشيطان اللبناني الذي قتل من المسلمين في سوريا والعراق في عقد من الزمان أكثر مما قتلت إسرائيل منذ قيامها، وهجّرت أهل السنة (المسلمين) من ديارهم ، فهل سمع أحد منكم حرفا واحدا في إدانة أو إنكار قتل المسلمين صدر من قادة حماس ومتحدثيها ؟ أو هل قاموا باتخاذ موقف مفاصلة مع الإيرانيين وأذنابهم ؟ أم أن دماء السوريين والعراقيين واليمنيين غير معصومة ولا محترمة؟ 

الجماعة التي رفعت صور السفاح قاسم سليماني في غزة وسمّته الشهيد ونافحت عنه وسجنت ونكّلت بكل من سبّه أو انتقده في غزة هل تتصور منها القتال لأجل دماء المسلمين؟ 

إذا لعلها تقاتل لأجل دماء الفلسطينيين بالذات ؟ 

إذن أين دفاعها ولو بالكلام والشجب عن دماء الفلسطينيين في مخيمات سوريا الذين جزرهم وسحقهم حزب الشيطان وميليشياته ، نعم يمكن أن تكون تقاتل لأجل دماء الحمساويين، لكن المسلمين لا والله ، بل هي أكبر تاجر في سوق غزة بدماء أهل غزة الأبرياء العزّل وأكبر من لعق وشرب من تلك الدماء وارتوى بها .

أما الهدف الثالث للجهاد وهو دفع الصائل عن أرض المسلمين ، فهذه كتلك، حماس ورفيقاتها هم أذرع لدولة المجوس التي احتلت أربع دول مسلمة هي العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهاهي تمهد بقتالها لتكون أرض فلسطين الدولة الخامسة التي تبيعها للمجوس . فأين الصائل الذي تدفعه عن فلسطين ؟ آليهود شرٌ أم المجوس ؟!

والمضحك أن هذه الجماعة وأخواتها تتاجر بقضية الدفاع عن الأقصى وأنه القبلة الأولى وثالث الحرمين كما يقال، فبالله عليك يا كل عاقل مبصر : هل يستقيم هذا ؟ جماعة تزعم الدفاع عن الأقصى في الوقت الذي تتحالف فيه مع مَن غاية مناه أن يهدم الكعبة؟ صواريخه ومسيراته تُقذف للحرم المكي طيلة سنوات ولم نسمع منها إنكارا فضلا عن مفاصلة لمن يفعل ذلك ؟ بل تشيد بهم في كل محفل وتتفاخر علنا بالتحالف معهم ؟ الخميني أبوهم الروحي شهيد وسليماني شهيد وخامنئي هو أمّهم الرؤوم، كل هذا الكذب الممقوت والدعاوى الزائفة المتناقضة ومع ذلك يصر البعض أن هذه النبتة السوداء وأعضاؤها مجاهدون في سبيل الله يجب نصرتهم والإشادة بفعلتهم أو السكوت عن منكرهم وباطلهم !

الحقيقة الناصعة هنا أن القتال في حقيقته بين إيران المجوسية التي يمثلها هنا حماس وأخواتها، وبين الصهاينة اليهود ، فأين قضية الولاء هنا وما دخلها ! 

هذا أقوله لمن يريد أن يعي ويفهم ، وأما من أصرّ على عمى البصيرة فهذا شأنه .

الولاء لا يلزم منه النصرة ضرورة

وحتى تتضح الصورة أكثر أقول : ليس واجبا على المؤمن نصرة المؤمن ضد الكافر في كل وقت، بل هو محكوم بتشريعات، اسمع قول الله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ } [الأنفال:72] .

 قال ابن كثير : «يقول تعالى: وإن استنصروكم هؤلاء الأعراب- الذين لم يهاجروا- في قتال ديني، على عدو لهم فانصروهم، فإنه واجب عليكم نصرهم؛ لأنهم إخوانكم في الدين، إلا أن يستنصروكم على قوم من الكفار { بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ }  أي: مهادنة إلى مدة، فلا تخفروا ذمتكم، ولا تنقضوا أيمانكم مع الذين عاهدتم. وهذا مروي عن ابن عباس، رضي الله عنه» انتهى.

وأرجو التنبه لقوله : « في قتال ديني » .. أي أن المسلم الذي لم يهاجر للنبي صلى الله عليه وسلم إذا اضطُهِد في دينه وأوذي فطلب من الأمّة المسلمة نصْره فواجب عليهم نصرُه والدفع عنه إلاّ أن تكون الدولة الظالمة له بينها وبين المسلمين هدنة ومواثيق بالسلم وعدم الحرب ، فلا يجوز للمسلمين أن يخفروا ذممهم ، فهل هذا الحكم يخالف عقيدة الولاء والبراء ؟ أو محبة المسلم وبغض الكافر ؟.

وهذا كما قال ابن كثير في القتال الديني ، أما إذا كان قتالاً على الدنيا من أرض ومال أو ارتزاق – كما هو حال حماس وأخواتها- فالأمر أشد بعداً ، فلا يجوز نصر المسلم فقط لأنه مسلم، بل يُنصف المظلوم من الظالم ولو كان مسلما كما قال صلى الله عليه وسلّم : « انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» قالوا: يا رسول الله! كيف أنصره ظالمًا؟ قال: «تحجزه عن الظلم فذلك نصرك إياه ». فإذا اعتدى مسلم على كافر فليس الولاء للمسلم هنا أن تنصر المسلم وتعينه ولو كان ظالما .

وقد كانت هذه الجماعة وأذرعها من المؤيدين المناصرين للهالك صدام إبان غزوه الكويت وتهديد السعودية فجاءت قوات الكفار وأعادته مع القوات المسلمة إلى قُمْقمه، في تلك الفترة جابت الدعاية الإخوانية بمعونة أربّائهم السرورية بلاد المسلمين تجييشا ضد المملكة ومناصرة لصدام وهو ظالم صائل بزعم أنه يقاتل الكفار ، وكلنا يذكر محاضرات بعضهم في جدة والقصيم والرياض واستنفار مشاعر المسلمين ضد قادة دول العرب بزعم الولاء والبراء . والحمدلله الذي ردّ كيدهم إلى الوسوسة!

بطبيعة الحال اليهود ظلمة لا شك في ذلك ولا ريب ، وإنما أحاول تبسيط قضية الولاء والبراء للذين تتجمد فكرتهم عند دِين المتقاتلين فقط دون النظر للإطار العام للقتال.

ولو كان إسلام المقاتل هو الذي يحدّد لوقعنا في إشكال كبير، فهب أن إسرائيل جيشت فرقة من الجنود المسلمين ، أو جاءت أمريكا بفرقة جنود مسلمين ، فلمن يكون الولاء ؟

أرجوك لا تقل لي إن المسلم في جيش أمريكا كافر لأنه يقاتل في جيش دولة كافرة، فماذا نقول عن ميليشيا تقاتل بتوجيه وسياق مجوسي ؟!

الإخوان وأبواقهم يتكئون على هذه القضية ويستغلون جهل الناس بها ، ومع ذلك فلو جئنا لتحكيم الولاء والبراء فالولاء لليهود الصهاينة  على تحريمه وفجوره  أقل إثما وقبحا وفجورا من الولاء للمجوس شرعاً وعادة .

أما شرعاً فاليهود أهل كتاب على الأقل .

وأما عادة فإجرام دولة المجوس وميليشياتها في أهل الإسلام لا يقاس به ما فعلته إسرائيل بأي مقياس يتخيله عقل . فمن أولى بالذّم ؟ مع أنّ الحال مختلف طبعا لكن نقول هذا تنزّلاً على فرض أن موقفنا من حماس يعتبر ولاء لليهود وليس الأمر كذلك بالمرة، فلعن الله الصهاينة ولعن الله الرافضة المجوس ولعن الله أحلافهم ولو كانوا في الخنادق !

أهل غزة !

يكرر أبواق حماس أن سبب ما فعلته النبتة السوداء هو تكرر استفزاز الصهاينة لأهل القدس وعدوانهم المتكرر على المسجد الأقصى ، وهذا لا يسوّغ أبدا ما فعلته أصلاً لاعتبارات يعرفها أهل العلم بالسنة .

ومع ذلك فهناك أمر يغيب عن كثير من الناس ، وهو أن غزة إقليم منفصل عن مدينة القدس ، فعلاقة أهل غزة بالقدس – وهي شماعة حماس وأحلافها- لا تختلف عن علاقة أي مسلم في أي بقعة من الأرض ، فلماذا يحملها الناس مسؤولية الدفاع المزعوم عن الأقصى ؟ هذا إذا كانت القضية إسلامية وقضية كل المسلمين كما تزعم حماس!

شعبٌ أعزل مسالم يعيش حياته ككل الشعوب الجاثم عليها ميليشيات مسلحة تحكمهم بالحديد والنار وتسوقهم في مساق ألاعيبها السياسية لماذا يتحمل هو وحده نتيجة عبث العابثين ؟ 

وإذا سَفِه أحدٌ من المنتسبين للعلم نفسَه فقال بجواز ما فعلته حماس فهذا يعني تجويز أن يقوم أي فصيل في أي دولة بمهاجمة إسرائيل انطلاقا من هذه الدولة والاختباء ثم ترك شعب وحكومة الدولة تتحمل نتائج وآثار ما فعله العابثون !

أعلم تماما أنّ هذا يجيزه الإخونج ومفكروهم، وإنما أحاول لفت نظر بعض من استغفلتهم الدعاية الإخونجية وأبواقها، كمثل صاحبنا الذي في الكويت !

 

ولاة أمر

ومن أعجب ما سمعت أن حماس تعتبر ولي أمر في غزة ولها الحق في السمع والطاعة واتخاذ قرارات الحرب !  يا للهول !

كيف يصح هذا وقادة الجماعة السياسيون يعيشون خارجها ؟ هل هذه ولاية مستقرة يجوز لها اتخاذ مثل هذه القرارات ؟

ولي أمر لا يعترف به أحد في الأرض كلها إلاّ إيران والدويلة المعروفة ! ولا يقر له أحد بالولاية حتى في غزة نفسها .

ومن يقر لها بالولاية يلزمه الإقرار للحوثيين بالولاية ولا فرق !

والأغرب من ذلك: أن كل الناس سمعوا معي ما صرح به قادتها السياسيون - الذين هم ولاة الأمر في تصور البعض – سمعناهم جميعا يصرحون أنهم لم يعلموا بالعملية إلا من الأخبار !

إذا صح هذا فهذه العملية تعتبر افتئاتاً على وليّ الأمر يأثم صاحبه حتى لو فرض تحقيقه النصر المؤزر، فما بالك وهي عملية فاشلة قياساً بالمآلات أدّت إلى استباحة دماء المسلمين وأرضهم وأموالهم! 

وأكبر نصر يمكن أن تحققه هو عودة الأمور لما كانت عليه – سياسيا- بعد فقد الآلاف أرواحهم وأموالهم. 

على أن الأمر يتعدى ذلك – على بؤسه وقباحته – فهذه الجماعة جماعة خارجة لا تنتمي لفلسطين ولا لأهلها وإنما هي في واقعها فصيل يسمع ويطيع للولي الفقيه السني أو الرافضي المجوسي ، وكلاهما وجهان لعملة – أو نعل- واحدة .

فوجودها في فلسطين هو نوع من الاحتلال في حقيقته وواقعه قد لا يقل قبحا عن الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين كلها .

من هو ولي وليّ الأمر ؟

نعود الآن درجة واحدة لنسأل هل حماس بفصائلها تدخل في بيعة دولة من دول المسلمين؟ 

الجواب : لا ، فبيعتهم للمرشد الذي لا أرض له ولا حكومة، فهم إذن فصيلٌ منافر لجماعة المسلمين- بتعدد دولهم- يتبع مرشداً خفيا كمهدي الرافضة ، وهذا الفصيل المفارق لجماعة المسلمين الذي لا بيعة في عنقه لأحد من ولاة الأمور الشرعيين لا يلزم أهل الإسلام نصْرَهم ونقض المواثيق الدولية لأجلهم ولو كانوا مظلومين – اتحدث عن حماس وأخواتها لا عن أهل فلسطين – هذا هو الصواب ولو أحمرّت أنوف !

هذا نقوله على فرض توافر شروط الجهاد والقتال ، فما بالك وهذه الأمة تعيش حالة ضعف وانقسام لا تأمن فيها الدولة المسلمة جارتها – كما عرفنا مؤامرات بعض الدويلات ضد المملكة ومصر والإمارات على سبيل المثال– فوضع المسلمين اليوم يمتنع فيه مجرد التفكير بشرعنة الجهاد الذي يتصوره أفراد وقيادات جماعات الشؤم التي عاثت في الأرض فسادا وخرابا .

 

قضية كل المسلمين

تصيح أبواق الإخونج في الأمة تستنهض هممهم أنّ القضية الفلسطينية قضية كل المسلمين ، وهذا من تناقضاتهم، فإذا كانت كذلك فلماذا يستبدّون بالرأي فيها دون بقية المسلمين؟ لماذا يتخذون قرارات الحرب والسلم دون الرجوع إلى المسلمين كلهم قيادات وشعوبا؟

والحقيقة أن قرار القتال وإشعال فتيل الحرب لا يجوز لهم اتخاذه حتى لو فرض أنه قضية محلية خاصة بهم لأنّ الحرب لا يمكن كسبها أو اتقاء شرورها دون حلفاء وأعوان .

هذا كله على فرض أن قرار الحرب اتخذته حماس منفردة لمصلحة رأتها ، ووالله الذي لا يُقسم إلاّ به إن هذا كذب أصلع ، فهذه الجماعات لا يمكن أن تتحرك دون أمر من حليفهم الذي ألجم قادتها بلجم عديدة، ومن درس تاريخ حركات المقاومة المزعومة وجدها تتحرك فقط لخدمة أجندات مستخدميها ، فبعيدا عن التأصيل الشرعي نقول :

مجرد رأي

كل من رأى وراقب التحركات السياسية التي كانت تجري بين المملكة وبين أمريكا رأى أن هناك حراكاً سياسياً حقيقياً كان يُرجى أن ينتهي بحل الدولتين والموافقة على المبادرة العربية ، طبعا مقابل شروط اشترطتها المملكة ، هذا الاتفاق كان في مصلحة كل أهل الأرض إلا فئتين – وفصيلاً - : أما الفئة الأولى فإيران ، التي سيشكل انتهاء الحرب الساخنة بالتطبيع نهايةَ مشروعها الاستعماري وذريعةَ وجود أذرعها التخريبية وتسليحها .

الفئة الثانية : الصقور المتطرفة في إسرائيل وعلى رأسهم نتنياهو الذين أزعجهم ضغط أمريكا عليهم وأقلقهم ميل الإدارة الأمريكية الحالية إلى العرض الذي قدمه ولي عهد المملكة، فإدارة الرئيس بايدن في ظل هلعها من خسارة الانتخابات يريدون تحقيق كسب تاريخي وتحقيق صلح بين قيادة العالم الإسلامي ممثلة في المملكة وبين إسرائيل يجيّر لهم في معاركهم الانتخابية ضد خصومهم ، والصهاينة المتطرفون لا يريدون القبول بدولة نووية أخرى قريبة منهم بل هي رأس العالم الإسلامي ، وليس لديهم ذريعة للرفض ومقاومة الضغط الأمريكي خاصة مع تهاوي شعبية المتطرفين في إسرائيل .

أما الفصيل الذي أقض الاتفاق مضجعه فهو قادة حماس وأخواتها الذين يعرفون أنهم في حال الاتفاق سيخرجون من المعادلة لأنّ الممثل الوحيد لفلسطين رسميا هو السلطة الفلسطينية ومصير الميليشيات في كل الصراعات في التاريخ إما المطاردة والسجن والقتل، وإما الذوبان الذي يخسرون معه امتيازاتهم وحصانتهم ضد ملاحقتهم قانونيا ومساءلتهم عن حياة الترف التي يعيشها ذوووهم بمعزل عن معاناة الفلسطيني الحقيقي .

هؤلاء هم الوحيدون الذين ساءهم الاتفاق الذي كان مزمعا ، فما الحل ؟

الحل هو تفجير الوضع عبر عملية غير عادية ، فكان ما كان من خديعة الرافضة لحمقى حماس – كما صرح أحد قادتهم- وإغرائهم عبر وعود بالدعم أن يقوموا بهذه العملية الهوجاء باتفاق أو تسريب لليهود غضوا فيه الطرف، لتقوم حماس بحركتها مقدمةً الذريعة التي تبحث عنها إسرائيل للانقضاض على غزة وتحقيق مآرب تنتظر منذ مدة تحقيقها منها إنهاء سيطرة حماس وأخواتها وحزب الشيطان كذلك ، ومنها مشاريع تجارية مشتركة بين إسرائيل وأمريكا لإفشال مشاريع الصين ورورسيا في المنطقة، ومن جهة أخرى حقق متطرفوا إسرائيل مكسبا بالقضاء على فكرة التطبيع مع السعودية، وضمنت إيران بقاء ذريعة القدس وتحريرها سنوات عديدة للبقاء في أراض المسلمين بحماية وإشراف وتوطئة من حماس وأخواتها .

دائما فتش عن المستفيد ، هذه قضية بدهية، ولا يمكن أن يخرج الأمر عن هذا ، قلنا كذلك منذ أول يوم ، ثم طلع قادة حماس يعلنون أنهم مستعدون للتفاوض على حل الدولتين ، أي أنهم قبلوا بالاتفاق الذي طالموا رفضوه ؟ لماذا الآن ؟ ما الذي تغير ؟ هل تغيرت إسرائيل ؟ أم أن الهدف الذي أرادوه من العملية هو هذا فقط ؟

بخٍ بخ والله، دفع الحمساويون دماء عشرات الآلاف من المسلمين الأبرياء ثمنا لمجرد لفت النظر : نحن هنا ! نريد أن نكون جزءا من الحل .

وأنا أجزم أن حماس وأخواتها لم يتوقعوا حجم الرد الذي قامت به إسرائيل ، وفوجئوا بهذا لأن الصهاينة لعنهم الله كانوا قد أعدوا العدة جيدا لهذه المرحلة ، ونجحوا في سحب حماس لمغامرة انتحارية، وهكذا كان .

بدليل أن أحد مجرمي حماس صرح في لقاء سمعه الجميع أنّ الخنادق صنعت لحماية المقاتلين أما المدنيين فليست مسؤوليتهم وإنما مسؤولية دولة الاحتلال ؟ !

المجاهد الذي يبحث عن الشهادة – زعموا – يختبئ في الخنادق ويترك الضعفاء العزل تحرقهم آلة عدوه بزعم أن عدوه هو المسؤول عن حمايتهم !

هل سمعتم باستغفال كهذا !

يا أمة ضحكت من جهلها الأمم ، لكن أنا لا ألومه لأن الغوغاء تسير بلا بصيرة وراء هؤلاء وتصفق لهم .

توقعوا ألف قتيل أو اثنين ثم تجري إسرائيل خلفهم تبكي تستجدي إطلاق الأسرى ثم يبدؤون في مسرحية تشغل العالم بمبادلة ألف أسير ليخرجوا من المشهد أبطالا منتصرين، فينسى الناس ألف قتيل ضحت بهم لأجل إخراج أسرى حماس !

لكن الرد جاء على غير المتوقع، فهدت إسرائيل غزة فوقهم وفوق الأسرى لأنّ لها كما يبدو هدفا يستحق أن تضحي بهم لأجله .

هل اليهود جبناء ؟

يكرر أبواق حماس ومن شايعهم أن هذه العملية جاءت لتحطيم أسطورة الجيش الذي لا يُقهر ، فواخزياه، ضحيتم بدماء الآلاف لتثبتوا حقيقة يقرؤها المسلمون منذ أربعة عشر قرنا ؟ قال تعالى : {لن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُون}[آل عمران:110-111]  .

{لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون *لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُون[الحشر:13-14]  .

كل المسلمين يعرفون جبن اليهود والنصارى ، ويعرفون أن المسلم لا يقوم بوجهه أحد، نعرف أن مقاتلي حماس وأي فصيل مسلم أقوى وأعتى من أي مقاتل ، لكن مع هذا فما حدث استخفاف عظيم بالقرآن ومفاهيم الشريعة.

لأن الجبناء كما حكى الله عنهم { يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ } وهذا ما كان ، فهم وإن كان أفرادهم جبناء فهم يقاتلون من السماء بطائرات وقنابل وصواريخ تحرق الأخضر واليابس ، ويفتكون بالحجر والشجر قبل البشر ، وكانت آلتهم كلها مسلطة على الأبرياء العزّل الذين أسلمهم الصناديد لليهود ولاذوا هم بالخنادق !

وكل من تابع الأخبار يرى أن إسرائيل تنزف وتخسر هذا صحيح ، فلماذا تحملت كل هذا ؟ لأنه من الواضح أن هناك هدفا كبيرا يستحق أن تضحي بجنودها وآلياتها واقتصادها لأجله .

ولا ننسى أن إسرائيل هذه خاضت حروبا مع عدة دول في 67 وما قبلها وحققت اختراقات واحتلت أجزاء من دول عربية، مع خسارتها بلاشك لجنود وأموال !

فما يردده أبواق الإخوان عن خسارة إسرائيل وانتصار المقاومة حماقة وتخدير وتغبيش على الحقيقة والواقع المؤلم، الذي ورط فيه مجرمو حماس وأخواتها مسلمي غزة ودول المنطقة كلها .

كل قطرة من مسلم تحزننا ولو كان من مقاتلي حماس الذين استخفهم القادة واشتروا عقولهم بالمال والشعرات الزائفة، وكل فرحة لكافر ونشوة من صهيوني يعلم الله كم تغيضنا وتكسر قلوبنا ، ولكن الواقع شيء والمأمول شيء .

ماذا لو انتصرت حماس ؟

من عجائب بعض الشرعيين – وهذا سمعته من بعضهم - أنه ينتظر في حكمه على الأحداث حتى يرى الدائرة لمن ، فإن انتصرت حماس وتحقق لها مكسب عسكري أو سياسي حَمِد لها فعلها ومدحها، وانضم للجوقة التي تغني لها .

وإن كان غير ذلك ذمها وبين عوار ما فعلته، ويرفع عقيرته بالعلم والحكمة والبصيرة بالمآلات، وهذا ليس لسان أهل الشريعة، بل هو تصرف نفعي تسلّقي . أشبه ما يكون بفعل المنافقين : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلا} [النساء:141]

العالِم بالشرع يحكم على الأفعال بغض النظر عن مآلاتها، لأن نتائج الفعل قدر الله، والله لا يقدر إلاّ الخير، ولو كان في نظرنا غير ذلك، وليس ذلك مما نُسأل عنه، وأما الشرع فهو أمر الله ونهيه وهو الذي كُلف به العبد امتثالاً وانتهاء .

فعلى سبيل المثال : المتطبب الجاهل مذموم إذا أجرى عملية جراحية أو وصف دواء لمريض، ولو قدر الله من ذلك شفاء المريض .

والطبيب المتعلم المجرب إذا أجرى عملية جراحية أو وصف دواء واجتهد في الصواب فهو محمود مشكور ولو مات المريض ولم ينتفع بالدواء .

والساحر ومن طلب السحر للعلاج مذمومان ولو قدر الله شفاء المريض بالسحر .

هذا مثال للتبسيط ، فنقول : ما فعلته هذه الجماعة وما يفعله أشباهها في بلاد كثيرة يتسببون بأفعال كهذه في مآسي للمسلمين المستضعفين فيُقتلون بسبب ذلك وتنتهك أعراضهم ويشردون من ديارهم   ، كل هذا حرام ومنكر يجب إنكاره في كل وقت ، قبل وأثناء وبعد ، حتى لو فرض أن الله قدر زوال إسرائيل بسبب هذا العمل الأهوج، فلن نقول يوما من الدهر  لنبتة السوء: أحسنت وأصبت ، بل: أسأت وافتأتّ وأجرمتِ.

كما قلنا سابقا في أيام الخريف العربي: إن زوال الظلم عن بعض الشعوب – على فرض ذلك – بهذه الثورات لا يدل على مشروعيتها بل هي فساد في الأرض وخروج على شرع الله قبل أن يكون خروجا على ولي الأمر وهذا ممنوع بإجماع أئمة السنة، ولن يسوّغها ابدا حتى لو كانت سببا في قيام دولة الخلافة وعلى رأسها أبي بكر الصديق !

حماس أعلم بواقعها !

من كلمات بعض الناس أنّ أهل غزة أعلم بواقعها يعني أنّ الفتوى في هذا الأمر لهم والقرار لهم ، وهذا غير صحيح . 

وهذه طنطنة الدواعش والقاعديين ، كلما أنكر عليهم العلماء قالوا نحن أعلم بواقعنا ولا يفتي قاعد لنافر،.. الخ ما يلبسون به على الجهال.

والأمر ليس كذلك ، فنحن نتكلم عن واقع مفتوح، معطياته معلومة لكل ناظر ، الفلسطينيون عُزّل ومقاتلوا حماس ضعفاء ، قد يكونوا شجعان وجريئين نعم لكنهم بمقياس القوة القتالية ضعفاء ، أرجو أن لا يزايد على هذا أحد ، فلو لم يكونوا ضعفاء لما كان هذا حالهم منذ سنوات ، ميزان القوة عددا وعتادا لا مقارنة فيه بينهم وبين إسرائيل ومن خلفها الغرب كله.

ضعف سياسي كذلك فخيار القتال لا تتبناه أية دولة أو جهة سياسية، لأنّ الجميع يعرف أنه انتحار ، حتى إيران وحزب المماتعة لم يخض مثل هذه المقامرة .

إذن لا قوة عسكرية مكافئة، ولا سند أو ضامن سياسي ، فهل يحتاج الأمر إلى شيء آخر ليحكم على هذه العملية بالتحريم ؟

علماء المسلمين يختلفون في تترس الكافر بالمسلم وهل يجوز قتل المسلم إذا كان هو السبيل للنصر على العدوّ ، مسألة معروفة في كتب الفقهاء ..

أما هنا فالصورة أوضح وأقبح، يتترس المجاهدون – زعموا- بالمسلمين العزل، يضربون انطلاقا من الخنادق المحفورة تحت المدنيين وهم يعلمون يقينا أن الصهاينة قتلة الأنبياء لن يترددوا في قتل المدنيين عمدا وانتقاما فضلا عن أن يكونوا ترسا للصناديد المتخندقين !

أول مرة أسمع بمجاهد يختبئ خلف مدني أعزل ! أهذا هو الجهاد ؟

ذمّ الله اليهود في القرآن بأنهم لا يقاتلون إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر ، وهذا أقل قبحا ممن يقاتل من وراء أجساد الضعفاء العزّل !

من يزيد !

في هذه السوق مزايدات مخجلة والله ، رئيس إحدى الدول العربية غاب عن القمة الإسلامية غضبا لأهل غزة وعدم إدراج فقرات يرى أنه بها سيحرر الأقصى ، إضافة لخطابات ثورية وكلمات تصدر عنه وعن قيادات فكرية وشعبية من نفس الدولة .

المفارقة أن تسليح هذه الدولة غالبه من روسيا، ولديها تحالف قوي جدا بروسيا، بل هي مثل المتبني لها ، ونحن نعرف أن روسيا حتى كتابة هذه المقالة تبيد قرى ومدنا كاملة من المسلمين في سوريا!

لا تتعجب فهذه سوق غزّة !

شعوب حاشدة ومظاهرات في عدة دول عربية تجمعوا في الساحات مطالبين الدول العربية بالجهاد وبعضهم يطالب فقط بفتح الحدود ، طبعا تلك الساحات تحولت بقدرة قادر من نصرة أهل غزة إلى السب والشتم لقادة الدول واتهامهم بشتى التهم ، والدعوة للخروج والمظاهرات خاصة السعودية والإمارات .

وأنا لا أعلم ما الذي يرد الواحد من هؤلاء عن الجهاد إن صدقوا ؟ يستطيع بكل سهولة أن يسافر إلى سوريا ويذهب للجولان ويجاهد مع إخوانه السوريين أو اللبنانيين صناديد حزب اللات ؟

لا يعتذر الواحد منهم بالإجراءات الرسمية فالممرات موجودة توصله إلى أي نقطة .

وقد رأينا المنتمين للقاعدة وداعش يصلون إلى مناطق النزاع رغم كل القيود الرسمية ، فمن أراد شيئا اجتهد له ، أم أن الجهاد في الساحات ورفع الشعارات والصراخ !

هذا هو الكذب الذي يخدّر به هؤلاء أنفسهم ، فهم يعرفون أنهم على خطأ ولكن العاطفة والمباهاة وتفريغ عواطف الحزن على أهل غزة تدفعهم لمثل هذا ثم ينتهي المحفل بوجبات عشاء فاخرة وليال وآهات وفحيح في غرف النوم، بينما يذوق المستضعفون في غزة الويلات بسبب عبث حماس الذي يدافع عنه الحمقى !

اللي صار صار !

قال بعض الناس : الكلام في خطأ العملية أو عدم مشروعيتها أمر فات أوانه، والآن نحن نعيش واقع أن الصهاينة يعتدون على المسلمين، والوحيد الذي يقف في وجه العدوان هم مقاتلو حماس ، فالكلام فيهم أو معارضتهم تخذيل ونفاق وموالاة للكافر .

أقول : 

أولا: قد يقبل هذا الكلام من قائله شريطة أن يكون على قاعدة بيان فساد منهج هذه الجماعة وخطأ ما فعلته ، أما استغلال الموقف للتشويش على رؤية الناس لحقيقة هذه الجماعات وعمالتها للرافضة واتجارها بدماء المسلمين ، فهذا لا يصح .

ثانيا : قائل هذا الكلام إن كان لا يتفق معنا على خطأ هذه العملية فلا كلام معه .

وإن كان يتفق معنا على فساد المنهج وخطأ العملية فلاشك أنه يبني ذلك على المفاسد التي نشأت من هذا العدوان ، وإذا كان كذلك فهل الموقف الصحيح تأييد هذه الجماعة لتبقى ذريعة للعدوان يحصد المزيد والمزيد من الأرواح ويبتلع المزيد من الأرض؟

ماهو الأفق الذي يقاتلون للوصول إليه؟ إيذاء العدو وإيلامه ؟ هل يستحق هذا التضحية بكل هذه الحسائر ؟

هل يطمعون مثلا بزوال دولة الاحتلال ؟ كل شيء ممكن في قدرة الله ، لكن شيئا من المعطيات على الأرض والواقع لا يؤيد هذا التصور ولو واحدا بالمئة، حتى الجماعة نفسها، ولو كان يطمعون بهذا ما عرض رئيسهم التفاوض على حل الدولتين ، فلماذا يتفاوض مع دولة ستزول قريبا على أيدي كتائب القسام ؟

إذن ما الثمن ؟ الثمن كما قلنا هو مكاسبهم السياسية التي يريدون أن لا يفوتهم ولا يفوت عرابهم الإيراني منها نصيب . فهل يجوز هذا ؟

إن تشجيع حماس وأخواتها للاستمرار في القتال هو تشجيعهم على الانتحار والتضحية بالمزيد من الأرواح والأموال والممتلكات ، ولهذا فليس هناك ما يمنع شرعا ولا عقلا من الاستسلام والانسحاب من الخنادق ووقف القتال من طرف واحد وإطلاق جميع الرهائن والأسرى لتسقط الذريعة التي تتذرع بها إسرائيل .

وليس في هذا مأخذ شرعي فقد انسحب خالد في مؤتة استبقاء على ما بقي من جنود المسلمين ، وكان ذلك محل مدح من النبي صلى الله عليه وسلم  ، مع أنهم جنود مقاتلون خرجوا يطلبون إحدى الحسنيين، فما بالك بواقع غزة الذي يمثل توقف القتال الإبقاء على أرواح آلاف من المسلمين العزّل الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه المواجهة وليسوا طرفا فيها مهما حاولت ابواق الإخوان تصويرهم على أنهم طرف وأنهم يقفون مع حماس وأنهم يفوّضونها في فعل ما فعلت ، فالواقع أن غالب سكان قطاع غزة لا يتفقون مع هذه العصابة الجاثمة على صدورهم وتسوقهم للموت وتتاجر بدمائهم ومصائرهم .

مطايا الإخوان !

كل ما يقدره الله خير وحكمة، حتى هذه الكوارث والبلايا التي تصاب بها الأمة، واحدة من أهمّ حكم البلايا والفتن هو استخراج مافي النفوس، وامتحان إيمان الناس ويقينهم بالله من جهة، وتمسكهم بالسنة وقبضهم عليها من جهة أخرى .

ومن الحكم كذلك أنّها تكشف لنا هشاشة الانتساب للسنة عند كثير من مدّعيها، ولا أعني أنهم ليسوا من أهل السنة بل أعني أنهم مع انتسابهم لها شديدوا التأثر بالعوامل الناقلة عن السنة ، ومن أهمها العاطفة ، والجماهيرية .

في ثورات الخريف العربي تساقط كثيرون وكشف الله خبايا كثيرين كذلك ، كشفوا وجوههم الحقيقية يوم شعروا أن الدائرة لهم بعد أن خذّلوا الناس عن السنة وعن نصوصها وأحكامها تأثرا بالجماهير التي ماجت كموج البحر فانساح كثيرون، وسكت كثيرون، ولما انقشعت الغيوم وظهر حجم الكارثة عرفنا حقيقتهم وعرف الناس – العقلاء منهم- حقيقة هذه الدعوات وصدق مقالة أهل السنة.

نحن نعرف أن "الإخوان المسلمون" وشقيقاتها منغمسون حتى الرأس في وحل البدعة والانحلال من السنة ومعارضتها والإعراض عنها ، فلا نتعجب حين يصدر ذلك من قياداتهم أو أفرادهم أو حتى معجببيهم فبعضهم من بعض، كما قال تعالى : {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِين} [الزُّخرُف:54].

وإنما العجب يكون حين تصدر من بعض المنتسبين للسنة والعلم مواقف تدل على صدق ما ذكرته السنة عن الفتن   وخطورتها على العلماء فضلا عمن دونهم .

وموضوع غزة وما فعلته جماعات الشؤم فيها والكارثة التي أوقعتهم بها دليل على ما أقول .

والغرابة تزداد أن هؤلاء لا يكتفون بمخالفة السنة وتأييد ما فعلته حماس وأخواتها أو الاعتذار لهم على الأقل ، بل يتهمون كل مخالف لهم بالنفاق والتخذيل والصهينة والعمالة ووو الخ .

سمعت واحدا منهم يستدل بآيات سورة التوبة والأنفال التي تتحدث عن تخذيل المنافقين وإرجافهم ونحوها وينزلها على السلفيين المخالفين لأفعال كتائب القسام ومن معهم .

وهذا قياس مع الفارق، يقيسون عبثاً تقوم بها ميليشيات مفتئتة على الأمة، لا ولاية لها ولا وَلاء، ولا يعترف بهم سياسيا ولا عسكريا أحد إلا دولة المجوس، يقيسونه على جهاد يقوم عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم  بنفسه وهو مشرّع ومبلغ عن الله ، وهو في نفس الوقت القائد السياسي والعسكري للأمة ، فهل يعقل هذا المتكلم ما يخرج من رأسه ؟!

أحدهم  وهو مصري- يقول: إنّ ما يجري الآن جهاد واجب !

واجب على من ؟ على مقاتلين قلة بلا دعم ولا مدد سياسي ولا عسكري في مواجهة جيوش جرارة ؟  

أم هو واجب على الأمة ؟

حسناً، إذا كان هذا قولك فسؤالي لك، إذا كان هذا جهادا واجباً، فكيف تُسلِمُ إخوانك المجاهدين – فضلا عن العزّل- للموت دون نصر ؟  أليس مما نقلتَه :اتفاق الفقهاء على أنّ الجهاد يجب على الإقليم الأقرب فالأقرب إذا عجز أهل الإقليم عن ردّ العدو ؟ 

لماذا لا تُطلق أنت ومن وافقك النداءات للشعب المصري -وهم أقرب المسلمين لأهل غزة – وبحسب فتواك فإن الجهاد واجب ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلماذا لا تدعو المصريين للزحف إلى غزة وتكون أنت و"جوقة المزامير" الآخرون في مقدمة هذه الجحافل ؟!

وكذلك القول لمزامير الأردن خاصة المنتسبين للسلفية : لماذا لا تنطلقون لنصرة إخوانكم في الضفة وغزة ؟ أم أن الفتاوى والفقاقيع الصوتية واجبكم ، وواجب أهل غزة الضعفاء العُزَّل الموت والقتل تحت نيران قوة غاشمة تتذرع بفصائل تعبث بمصائر المسلمين !

ارتكبت فصائل العبث حماقة وأعطت الصهاينة المسوغ القانوني والأخلاقي – بمنظور الغرب- للهجوم على غزة وهدمها فوق رؤوس الضعفاء العزل الذين لم يفوّضوا العابثين لاتخاذهم غرضا وهدفا للقتل والمجازر والإبادة الوحشية .

والآن بدلا عن التوقف والاعتراف بالخطأ وترك الفرصة للسياسة أن تحاول إصلاح ما خربته بنادق العابثين يتمادون في الانتحار وجر الشعب الأعزل معهم لمقصلة الموت ، ولا أعجب منهم أبدا ، إنما العجب من الأبواق التي تصر على ستر سوءة حماس وأخواتها وإيجاد المعاذير لها ، يظنون بذلك أنهم ينصرون الجهاد والإسلام ولا يعلمون أنهم بذلك ينصرون الصهاينة ويدعمونهم بمزيد من الوقود القيمي والأخلاقي الذي يستندون عليه أمام العالم للاستمرار في القتل والتجريف لكل اشكال الحياة في غزة .  

أحاديث الساعة 

هناك تجار في مواقع التواصل وخاصة اليوتيوب ، تجار من نوع خاص، يستغلون الأحداث لجذب المزيد من المشاهدين والمتابعين، ولهم في ذلك أساليب متعددة :

يستعمل بعضهم نشر الأحبار والمبشرات بالنصر وكسر جيش العدو وإحراقهم ووو .. الخ، فيهرع الناس إلى المشاهدة يشفون صدورهم ويروون غليلهم ليجدوا أخبارا ملفقة أو مزورة ، أو حقيقية لكن فيها مبالغة ، أو لا مبالغة فيها لكن لا تعبر عن حقيقة النصر الذي يدعونه!

وبعضهم ترك القضية واستغل الوضع للقدح والسب والشتم في قيادات الدول العربية أو تكفيرهم ومثل ذلك عن بعض شعوب المنطقة بحجج متعددة . وهذه مادة جاذبة لجماهير كثيرة لديها مشاعر غاضبة وتحب من ينفس لها مشاعرها المحتقنة بهذه الطريقة التي يحققون بها مكاسبهم الحزبية وهؤلاء غالبهم أبواق الإخوان .

وبعضهم أخرج كل مهاراته اللغوية لسبك العبارات التي تعبر عن مناصرته للمجاهدين في غزة ونبز مخالفيهم بالنفاق والصهينة ، والسخرية من السنة، يفعل ذلك وهو منبطح تحت إضاءة خفيفة في غرفة نومه بجوار زوجه وربما تناول بعض العصير المهدئ قبل أن ينام في فراشه الوثير .

أما أسوأ هؤلاء التجار فهو من ذهب يبحث عن غرائب النصوص التي تتحدث عن أشراط الساعة أو أخبار غيبية ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ويحاول تنزيلها على هذا الفصيل أو ذاك .

وبعض هؤلاء من المنتسبين للعلم والمشيخة، فالجماهير عادة تبحث في أوقات شدتها عما يفتح لها أبواب الأمل والخلاص عن طريق خبر يبشرها بالفتح والنصر أو إهلاك العدو .

ففي صحيح مسلم عن عبيد الله بن القبطية. قال: دخل الحارث بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان، وأنا معهما، على ‌أم ‌سلمة، أم المؤمنين. فسألاها عن الجيش الذي ‌يخسف به. وكان ذلك في أيام ابن الزبير. فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث. فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم" فقلت: يا رسول الله! فكيف بمن كان كارها؟ قال "يخسف به معهم. ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته". فقال عبد الله بن صفوان: أما والله ما هو بهذا الجيش.

قال ابن حجر : «حاول بعضهم أن يحمل هذا الحديث على من غزا عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، وهو مستعيذ بمكة ولكن سيأتي أن عبد الله بن صفوان رد على من زعم ذلك فقال: أما والله ما هو بهذا الجيش وقد ثبت صدقه بأن الجيش الذي هجم على ابن الزبير رضي الله عنه لم يخسف به فظهر أن المراد في الحديث جيش آخر ولم أطلع في التاريخ على جيش يمكن أن يجعل مصداق هذا الحديث فالظاهر كما قال الأُبّي أنه سوف يكون في المستقبل والله أعلم». الفتح.

فأنت ترى كيف تسامع الناس بهذا الحديث وانتشر ظنا منهم بأنه جيش يزيد، وأنا أكاد أجزم أن هذا شكل مستراحا وطمأنينة عند الكثيرين إلى أن ابن الزبير على حق وأن الله سيهلك يزيد وجيشه، ولكن الذي حدث على خلاف ذلك، فكان النصر حليف الحجاج بعد ذلك، وقتل ابن الزبير رضي الله عنه .

وفي هذه الظروف التي نعيشها يتكرر الأمر كما تكرر في أحداث سابقة كثيرة ، وهذا كله خلاف منهج السلف وأهل العلم، الذين همهم في كل ما يمر بهم من أحداث هو الاعتصام بالكتاب والسنة، والنظر فيما أُمروا به أن يمتثلوه، وما نُهُوا عنه أن يجتنبوه، أما ما يقدره الله تعالى بعد ذلك من نصر أو هزيمة من مكاسب أو خسائر فهو تدبيره تعالى ولا شأن للمسلم العاقل أن ينشغل بنشر مثل هذه النصوص وبثها في العامة كما يفعل القصاص الجهلة على مواقع الانترنت يستجلبون بها أنظار العوام ويدغدغون بها أحلامهم وعواطفهم .

أخيرا :

لا أحد ممن شمّ رائحة الإسلام يفرح بنصر اليهود أو رفعتهم أو اعتزازهم، ولا يجوز لمن يعقل ما يخرج من عقله وفمه أن يظن بإخوانه المسلمين هذا الظن فقط لأنّه يخالفهم في موقفه من الأحداث، فالقضية ليست إجماعا أو نصا محكما، القضية هنا تطبيقية واقعية تحتاج إلى نظر في حكمها، فالاجتهاد فيها سائغ في أقلّ أحواله، صوره، والمانعون أسعد بالسنة وبالاتباع وبالمنهج الصحيح والفقه السليم ومع هذا فلو فرض خطؤهم انطلاقا من شفقتهم على المسلمين أن تراق دماؤهم وتُغصب أرضهم فكيف يُساء بهم الظن وتُشن عليهم حملات تشويه واتهام بالنفاق الأكبر وبالكفر والعمالة لليهود أو لطغاة العرب الحكام – كما يقولون- ، ومع ذلك فهذه الشنشنة لا ترد المحق أن يقول بالحق ولا تخيف من قصد بكلامه وجه الله وأراد الذب عن السنة وأهل السنة وكشف ألاعيب الفرق الهالكة والجماعات المسلحة والأقلام المسمومة والجمعيات المشبوهة التي تعيش بالارتزاق على قضايا المسلمين، والله المستعان.

قضية أهل غزة المستضعفين قضية عادلة – لا علاقة للموضوع بالأقصى –، بل لأنهم شعب أعزل يعتدي عليه الصهاينة بدعوى الدفاع عن النفس أو ملاحقة مقاتلي حماس ، فالولاء لهم والدعاء لهم والاستنصار لهم بكل ما يستطيعه كل مسلم واجب شرعي لاشك فيه ، كل بحسب موقعه واستطاعته، ولايكلف الله نفسا إلا وسعها، كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  يُقتلون بين يديه في مكة ويعذبون ولا يحرك لهم نصراً ولا دفعاً وإنما يأمرهم بالصبر، فنسأل الله أن يكف بأس الظالمين من اليهود ومن هاودهم والنصارى ومن ناصرهم والمجوس ومن حالفهم وأن يرفع الظلم عن أهل فلسطين ويكف بأس المجرمين اللهم آمين . وصلى الله على نبينا محمد . 

 

Powered by Froala Editor