الموقع الرسمي للدكتور أحمد بن صالح الزهرانى

عندما أكل الإخوان أصنامهم !

حمل المقال بصيفة (pdf) من هنا

وَكانَت في حَياتِكَ لي عِظاتٌ          وَأَنتَ اليَومَ أَوعَظُ مِنـك حَيّـا

 

رحم الله الشيخ ربيع بن هادي المدخلي .. لم أكن من مريديه ولا جلّاسه ولا أصحابه ..  لكن جمعتني به جلسات آخرها مختلياً به في منزله بمكة في سنة 1424 إن لم تخنّي الذاكرة، عندما عرضت عليه موضوع كتابي "مجازفات حمزة المليباري" .. وكانت أوّل مرة رأيته فيها في مسجد صغير بجوار بيته في المدينة النبوية عام 1410وقد سبَقت سمعتُه قبل ذلك إلينا في جدة، كنت والزملاء معي متلهفاً أن أراه وأجلس إليه من كثرة حديث الطلاب عنه . ثم جاء وصلى بنا فرأيت الوقار والسنة وهيبة العلم مع تبسّط وملبس يدل على تواضع وزهد، ورأيت وجها صلبا ونظرات قوية متعبة .. ولم يتسنّ لي بعد ذلك أن أحضر دروسه في المدينة، وإنما حضرت له بعض المحاضرات أيام الجامعة.

توفي يوم الأربعاء الرابع عشر من شهر الله المحرَّم 1447هـ في المدينة النبويّة، ودُفن في البقيع، وطويت صفحة جهاد ونضال وعلم وتعليم وسنّة واتّباع، استمرت لعقود ستة أو ربما أكثر ..

ومن عجيب أمر الشيخ رحمه الله .. أنه ردّ على الإخوان والسرورية وحاربهم طيلة حياته .. ثم لما مات أبى الله إلا أن يكون موتُه خاتمة الردود -وربّما اقواها- على أخبث فرقة ضالة مرت بالأمة في تاريخها المعاصر هي وربيبتها السرورية ..

كان ردّه هذه المرة صامتاً، وبسكينة وهدوء، على غير عادة ردوده القوية، المفعمة بالصراحة والغَيرة والشدة.

عاش الإخوان طيلة دهرهم هادِمين لأُسس عقيدة الولاء والبراء .. فهي لم تكن أبداً إلا ستاراً يضحكون به على السذّج، ويسوغون به وجودَهم وتدميرهم للبلاد الإسلامية ونشر الفوضى .. مع أنّ من عاش معهم ممن لم يسمَن من أموالهم وتعميه مناصبهم يعرف أنّهم أبعد الناس عن الولاء لله ورسوله، وإنّما ولاؤهم للمناصب، والأموال، والنساء، والشهرة، وجنون السيطرة والحكم ..

وجاءت السرورية في فترة التسعينات لتقوم بأكبر عملية غش وتدليس على الجيل الصحوي، عندما ابتكرت وسوّقت على يد عرّابيها المعروفين– لا سامحهم الله- قوانين ومناهج هدفها تجميل الوجه القبيح لجماعة الإخوان وغيرها من الجماعات الضالة، عملت السرورية كمسوّق لجماعات الخراب في البلاد الإسلامية عندما عجزت الجماعة الأم عن اختراق المجتمعات السلفية، لأنها جماعة خواء لا معتقد، ولا مقصد، إلا السياسة ومراكب الوصول للمال والحكم فقط ..

جاءت السرورية لتقول للجيل الصحوي الذي خدّرته وأماتت فيه الغيرة لله ورسوله: إنّ الإخوان ورموز الإخوان ودعاة الإخوان -ويلحق بهم كل مبتدع ضال- لا يجوز أن نعاديهم أو نهجر طروحاتهم أو نفارقهم لمجرد أنهم أخطأوا، بل لدينا منهجٌ اسمه "الموازنات" نزن به سيئات الشخص وحسناته ، فإذا كثرت حسناته فهو ولي الله وولينا، لا نتكلم فيه ولا نحذر من باطله ، حتى لو استمر وأصرّ، بطبيعة الحال لم يعجزوا في الحصول على مقولات للسلف أخذوها من سياقات مختلفة، لكن الجمهور كان أقلّ قدرة على نقد مقولاتهم، بسبب الجهل من جهة، والثقة المطلقة والانبهار بهؤلاء من جهة أخرى. 

وقالوا كذلك: إنّ الولاء والبراء يلزم المسلم لكلّ داعية ومجاهد على وجه الأرض، ولو كان مبتدعا ضالاً ما دام يحمل همّ الأمّة ويدعو إلى الدين ..

وإنّ الداعية المسلم ولو كان ضالاً أولى بالولاء من الطغاة – يعنون بهم حكام الدول الإسلامية- وأنّ المبتدع يوالى بقدر مافيه .. إلى آخر ما ذكروه وليس هذا محل الرد عليه، بل سنفترض اليوم أنّه حق.

لكن ماذا ؟

مات الشيخ ربيع رحمه الله .. فإذا أقلام القوم تنبري لسبّ الشيخ والفرَح بموته والدعاء عليه بالنّار وأنه مستراح منه .. أكلَ الإخوان أصنامهم التي صنعوها لتلميع المبتدعة والضلال منهم، وعبّدوا النّاس لها، ثم لما مات الشيخ أكلوها !

وإذا عُدت إلى منشوراتهم التي تمثل الجماعة أو التي تمثل فئاماً منهم وجدت العجب .. فقد شاركوا النصارى حزنهم على البابا النصراني، وترحّم كثير منهم على نصارى فقط لأنهم ناصروا قضاياهم ، ويوالون ويمدحون الرافضة المجوس في إيران وأعوانهم في لبنان واليمن وهم يكفّرون الصحابة ويقذفون أم المؤمنين رضي الله عنها ويقتلون أهل الإسلام في كل بلاد حلّو بها ..

لكن الشيخ رحمه الله لم يستحقّ عندهم أيّ تعاطف أو دعاء، ولو فُرض أنه أخطأ وضلّ، فلا يزال بميزانكم مسلماً، ولا يزال له حسنات، ولا يزال خيراً من النصراني والمجوسي مع أنه لا مقارنة لكن فقط لتعرف حجم السقوط العقائدي والأخلاقي ووحل البدعة الذي يتمرغ فيها رؤوس الضلالة من الإخوان وأتباعهم ..

عاش الشيخ ربيع طيلة عمره يذبّ عن السنّة .. لا أبالغ إذا قلت إنه مَرّ عليه أزمنة كان وحده في السّاحة ، لا أحد يصدّقه ولا أحد يستمع إليه .. الكلّ كان منبهراً بهذه الجماعة ودعاتها الذين انتشروا في القرن الماضي في كلّ البلاد، يرفعون شعارات الخلافة والأمّة والدين .. وكان هو يقول إنهم مبتدعة وإنهم ضلاّل وإنهم أعوان الاستعمار وحمير الغرب..

ثم لقحت السرورية في رحم الفاجرة، وولدت وترعرعت في كنفها، لتقوم بتسويقها عند السذّج من السلفيين في المملكة والخليج.. يظهرون الولاء للسنّة والعقيدة والشريعة وتحكيمها في أقوالهم ومحاضراتهم، ويطعنون ظهر السنة وأهل السنة بأفعالهم ومواقفهم ..

فعَل الإخوان عبر جماهيرهم وعبر قنواتهم الإعلامية وكتبهم ومنشوراتهم ما لا يحصى بهدف تشويه دعوة الشيخ ومقاصده، واتهموه بكلّ نقيصة، نالوا من عرضه وآذوه بكل سبيل..

لم يكن لدى الشيخ مالهم من أموال، ولا جماهير، ولا قنوات، ولا مؤسسات دولية، ومحلية .. كانت قوّته من قوّة الحقّ الذي يحمله .. ومن ضعف الباطل الذي حملوه ..

ولهذا ظن الحمقى ممن استجهلوهم أنّه مؤيد بالدول والأجهزة الرسمية والعسكرية، وأنه جليس السلاطين ..

وأراه في هذا قد نُصر بالرّعب رحمه الله، ولا عجب، لأنه كان يذبّ عن سنّة النبيّ الّذي نصره الله بالرعب .. فلكل أتباعه من ذلك نصيب .

عالم السلطان الذي كان طعامه أحياناً حبة برتقال، وأحيانا الخبز، رأيت ذلك بنفسي، عالم السلطان الذي لم يظهر في أي قناة فضائية، ولا تلفاز، ولا يستطيع أحد أن يبرز له حضورا في مجالس الملك والإمارة، ولو كان عالم سلطان لكان دائم الحضور كما كان رموزهم يفعلون ، ينافقون السلاطين والحكام والأمراء، وفي مجالسهم يكفرونهم ويتآمرون عليهم مع أعدائهم من الشرق والغرب .

عالم السلطان لم يملك القصور، ولا الأرصدة، كان حبيس حجرته وسريره وكتابه، لا من علّة ولكن خدمة للعلم والسنة وذبا عنها .

رحم الله الشيخ ربيع العالم السلفي .. كان موته – وهو سبيل كل حي – كاشفاً عن مدى تقيّح قلوب وصدور هؤلاء الفجرة الظاهرين بمظهر الدين والفكر والدعوة .. يظهرون في كل قناة وموقع ينظرون لقيم العدل والتسامح والولاء لله ولدين الله فانكشفوا أمام الأمة بحق وصدق وبان كم هم في دركات سحيقة من سوء الخلق والكذب والنفاق .

بعضهم كضَم وكتَم وفرِح بقلبه، لكن أبى عليه قلمه أن يكتب دعوةً للشيخ رحمه الله .. وبعضهم لم يستطع إلاّ أن يتقيأ صديد قلبه وجوفه مما فيه من بغض السنة وأهل السنة ..

وعندما يدعون على الشيخ بجهنم والنار أتذكر والله دعاء الرافضة على أبي بكر وعمر وعائشة بالنار .. مفارقة مضحكة مبكية، أَفجر الخلق يدعون على أتقى الخلق بعد الأنبياء والرسل بالنار ..

وهذا من ذاك . المبتدع والمتزندق والضال يدعو على علماء السنة بالنار .. { فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون} .. أمَن عاش للسنة والذبّ عنها ونشرها والذود عن حياضها؟ أم من ارتمى في حضن الرافضة والنصارى والعلمانية يحسّن حسَنهم ويسكت عن باطلهم رعايةً للعلف الذي يعتلفه في بلادهم ؟

هل كان الشيخ ربيع جهميا ؟ : لا .

هل كان أشعريا ؟ : لا .

هل كان صوفيا ؟ : لا .

هل كان رافضيا ؟ : لا .

هل كان علمانيا ؟ : لا.

هل كان ليبراليا ؟ : لا .

هل كان خارجيا حرورياً ؟ : لا .

هل كان مرجئا؟ : لا .

هل كان يدعو إلى شيء غير الكتاب والسنة ؟ : لا .

إذا ماهو جرمه عند هؤلاء ؟ 

جرمه أنه فضح باطلهم، وأنكر منكرهم، ونصح لهم وللأمة ، ولكن لا يحبون الناصحين .

أخيراً : هل كان رحمه الله معصوما بريئاً من الخطأ ؟ هل قال أحد ذلك .. أم هل ادّعاه يوماً؟ 

منافحته عن مبادئ يعتقدها لا يعني أنّه يجعل من نفسه معصوماً أو أنه حكم على الناس..

وكان يقول كما قال سلفه أحمد بن حنبل : أعطوني آية من كتاب الله وسنة رسول الله ؟ 

كان يقول لهذه الجماعة : تعالوا إلى كلمة سواء ..ننبذ المبتدعة ونجتمع على كلمة السنة ومنهج السنة، فهل هذا مُنكر من القول ؟ هل قال هُجرا ؟ هل جاء بِدين جديد أو مذهب جديد كما يدعون؟

لكنهم أبَوا وتكبّروا وتعاظموا أن يتركوا أخدانهم وقادتهم الذين تنوّعت مذاهبهم بين الزندقة والفجور والبدعة والضلالات .. وبدلاً من ذلك شنّعوا عليه وحاربوه هو وكلّ من انتمى إلى السنة وخلعوا عليهم الألقاب الّتي ينفّرون الناس عنه بها : كما قال أسلافهم : التيمية، والوهابية ، قالوا هم : مدخلية أو جامية .. 

للشيخ أخطاؤه، وللشيخ اجتهاداته الخاصّة كأيّ عالم من علماء المسلمين ، لم يدّع أحدٌ له فوق منزلته ، وغلوّ بعض أتباعه ليس حجةً عليه ، فقد غلا النصارى في عيسى عليه السلام، وغلا الصوفية في نبينا صلى الله عليه وسلّم وغلت الرافضة في عليّ وآل البيت، وليس في هذا سبّة أو مأخذ على من غلَوا فيه .. ومثل ذلك انتساب بعض الجهلة والمتكسبة بمنهج الشيخ ولو كانوا من المشيخة ليس عليه منهم عُهدة ، وكذلك الشيخ ربيع رحمه الله .. كل مذهب وكل جماعة وكل فكر وكل دين فيه الغلاة وفيه الحمقى، والسنة ومنهج أهل السنة لا يسلم من ذلك،  وليس في ذلك عار على منهج السّلف ولا على العلماء وأهل الفقه والسنة المنتسبين إليه .

ومن كان مثل الشيخ ربيع يحارب هذه الجماعات التي لا يحكمها دين ولا قيم ولا أخلاق، لا يمكن إلا أن يصدر منه خطأ، فقد تقدم حين تأخّر غيره، وتكلم حين سكت غيره.

كتبت هذه الكلمات ليعرف الكثير ممن لم يعاصر الشيخ وخصومته مع الجماعات الحزبية من هو ولماذا يشنعون عليه ..

وأنا أزعم أنّ كل الأجيال التي عاشت أو نشأت أو ولدت في السعودية والخليج كله بالذات في العقود الأربعة الماضية على وجه الخصوص، كلها للشيخ في رقبتها منّة، فلولا الله ثمّ الشيخ ودعوته وقيامه لله رسوله في وجه الجماعة الضالّة ومسوّقيها لسيطر فكر الخوارج والرّعاع على الجيل ولأصبح لهذه الجماعة الساقطة سيطرة ونفوذ في كل مكان، ولكن الله أبى إلا أن يكون في كل زمن طائفة منصورة بإذن الله لا يضرّها من خذلها ولا من خالفها وأحسب أنّ الشيخ رحمه الله راس من رؤوسها..

أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يغفر له ويرحمه وأن يعلي درجته وأن يلحقه بالصالحين وأن ينزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين .. اللهم آمين.

 * * *

Powered by Froala Editor